حرب الطاقة.. كيف يعيد برميل النفط تشكيل العالم؟

تود أوروبا إيقاف إعادة توجيه النفط الروسي بحيث يبقى في روسيا، إذ سيتم منع شركات التأمين الأوروبية من تقديم غطاء للسفن.

تعيش أسواق النفط العالمية اليوم، أكبر إعادة تشكيل منذ عقود، في وقت أدت فيه الحرب الروسية الأوكرانية إلى تحول صادرات النفط إلى أسواق أخرى بعيدا عن أسواقها التقليدية. 

يبلغ حجم سوق النفط الخام حول العالم قرابة 100 مليون برميل يوميا، تشكل منها روسيا قرابة 10% ومثلها للسعودية ونحو 11.5% للولايات المتحدة، من حيث حجم الإنتاج.

واعتبارا من ديسمبر/كانون الأول المقبل، ستحظر الدول الأوروبية الواردات النفطية البحرية من روسيا؛ وبلغت هذه الواردات 1.9 مليون برميل في اليوم في يناير/كانون الثاني الماضي، من إجمالي الصادرات البالغة 5 ملايين برميل في اليوم.

هذه الأرقام، تجعل الخسارة كبيرة، بالنسبة لروسيا، لكنها بدأت فعلا تقتفي أثر إيجاد أسواق بديلة عن السوق الأوروبية، فالخام الروسي الذي لا يباع إلى أوروبا يمكن بيعه في مكان آخر.

وتعتقد شركة Rystad Energy وهي شركة استشارية في قطاع الطاقة، أن روسيا ستكون قادرة على إعادة توجيه 75% من النفط الذي تتجنبه أوروبا، وفق تقرير حديث صادر عن مجلة دي إيكونومست.

وعلى الرغم من انخفاض الواردات الأوروبية والأمريكية من الخام الروسي بمقدار 760 ألف برميل في اليوم منذ فبراير/شباط الماضي، إلا أن إحصاءات السفن التي تغادر الموانئ الروسية تُظهر أنها تشحن حاليًا نصف مليون برميل يوميًا أكثر مما كانت عليه قبل عام، مما يعني أن 1.3 مليون برميل في اليوم يتم تصديرها.

في الشهر الماضي، استوردت الهند التي اشترت القليل من الخام الروسي قبل فبراير/شباط الماضي، 765 ألف برميل في اليوم؛ بينما استهلكت الصين 900 ألف برميل في اليوم، بزيادة 230 ألف عن العام الماضي.

تود أوروبا إيقاف إعادة توجيه النفط الروسي بحيث يبقى في روسيا؛ عندما يبدأ الحظر، إذ سيتم منع شركات التأمين الأوروبية التي تهيمن على سوق الشحن العالمي، من تقديم غطاء للسفن التي تحمل النفط الروسي.

قد لا يكون هذا مهمًا للاعبين الكبار مثل الهند والصين، القادرة على تحمل تكاليف التأمين الذاتي؛ لكن قد يمثل ذلك مشكلة للمشترين الصغار الذين يفتقرون إلى مثل هذه الوسائل، مثل الدول الأفريقية التي استوردت في أغسطس/آب الماضي 200 ألف برميل يوميا.

وقد تستثني أوروبا أولئك الذين يوافقون على شراء النفط بالسعر الذي حددته مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى من أجل جعل مثل هذه الصفقات غير مربحة إلى حد ما بالنسبة لروسيا.

كم سعر خام الأورال؟

ومع ذلك، يُباع خام الأورال بسعر يقل بنسبة 20% إلى 30% عن خام برنت، وهو المعيار العالمي؛ ومع نمو الأحجام قد يزداد الخصم؛ فإذا تفاوضت روسيا على صفقات طويلة الأجل مع الدول الآسيوية، كما يبدو أنها عازمة على القيام بذلك، فستطالب بسعر أفضل مقابل تقديم سوق مضمون.

ونظرا لأن هذا الاحتمال يؤدي إلى انخفاض الأسعار في آسيا، فإن المنتجين من الدرجة الثانية مثل أنغولا والبرازيل والنرويج وفنزويلا بدأوا يعيدون توجيه إنتاجهم نحو أوروبا.

ولكن حتى الآن، فإن مهمة إخماد عطش أوروبا تقع في الغالب على دول الخليج العربي المنتجة للنفط الخام، والتي تملك فوائض إنتاجية أجلت تصديرها بسبب محاولات إعادة الاستقرار لسوق الطاقة العالمية.

دول الخليج بحسب مجلة إيكونومست، زادت تصدير النفط الخام إلى متوسط 1.2 مليون برميل في اليوم لدول الاتحاد الأوروبي، ارتفاعا من 500 ألف برميل في اليوم في فبراير/شباط الماضي.

ومع ذلك، فإن النفط الخام ليس القصة الكاملة في أزمة الطاقة التي ستعيشها دول الاتحاد الأوروبي بعد حظر الخام الروسي؛ إذ إن هناك أزمة أكبر تتمثل في تكرير النفط الخام.

 وعلى الرغم من أن مصافي التكرير في العالم لديها بشكل إجمالي، قدرة كافية للتعامل مع خامها، إلا أن المصافي ليست موزعة بالتساوي جغرافيا.

هناك نقص متزايد في طاقة التكرير في الغرب؛ وهناك طاقة فائضة في الصين؛ وهذا يعني أن تأثير الحظر الأوروبي على المنتجات النفطية من روسيا سيكون أكثر تعقيدا وربما بعيد المدى.